نسبيةُ الوجود: شروقٌ يَبني وشروقٌ يَهدم

 


​الفرح والحزن، هل هو شيء مطلق أم شيء نسبي؟ هل كل ما يُسعدني يُسعد الآخرين، أم ربما ما يُسعدني يحزنهم؟

​هل من الممكن أن يكون شروق الشمس مصدر سعادة لأحدهم، وبنفس الوقت مصدر حزن لآخر؟ نعم. فمن تُشرق الشمس عليه وهو ينتظر مولوداً جديداً سيكون فرحاً لا محالة. بينما من تُشرق الشمس عليه وهو ينتظر وداع من يحب، فسيكون الحزن مصيرا لا مفر منه. حتى أنه سيكره زقزقة عصافير تلك الشجيرة الخضراء قرب منزله، لأنها ستُذكره أن الوداع كان تحت ظلالها المختفية بسبب نور الشمس الساطع الذي سطا على كل الملامح وأخفاها، ليكون الضوء الحارق للعيون هو سِمة هذا اليوم. أما الآخر السعيد، فيرى بهذا الضوء مولد نجمه في وسط النهار، وكأنه أكمل ملامح النور في عينيه.

​فما هذه الدنيا ونحن نعيش بنسبية مُطلقة، تجعل كل شيء يمكن أو لا يمكن، يجوز أو لا يجوز، مقبول أو غير مقبول؟

​إنها الحياة حيث يُقيَّد كل شيء بالزمن والمشاعر الخاصة. إنها ميزان حساس جداً، حيث يزن كل فرد اللحظة بالخسارة أو المكسب الشخصي. هذه النسبية ليست ضعفاً، بل هي جوهر التفاعل البشري، وتأكيد على تفرد التجربة الوجدانية لكل روح.

​هل هناك  ثوابت في بحر النسبية؟

​إذا كانت كل مشاعرنا نسبية، وتقييمنا للضوء والعتمة مرهون بحالتنا، فهل هناك حقاً ما هو مطلق في هذا الوجود؟ نعم، توجد ضفاف لا يُزيلها ضوء الشمس ولا عتمة الليل:

  1. التوحيد: هو الميزان المطلق الذي يحكم كل نسبية. في رحاب التوحيد، يصبح الفرح والشمس والوداع كلها امتحانات عابرة لمصير أبدي مطلق.
  2. الحب: الحب الحقيقي، الذي يتجاوز المصلحة الشخصية والعاطفة العابرة، هو قيمة مطلقة تُبنى عليها العلاقات، ولا يتغير بتغير شروق الشمس أو غروبها.
  3. الوفاء: هو المطلق الأخلاقي الذي لا يقبل القسمة على اثنين. الوفاء هو الإيمان بثبات المبدأ، حتى عندما تتغير الظروف والأشخاص.

​إننا نعيش في نسبية مُعلَّقة، لكنها لا تنهار لأنها تستند إلى أعمدة مطلقة. هذه الثوابت (التوحيد، الحب، الوفاء) هي التي تمنحنا القوة لقبول شروق الشمس على حزننا أو فرحنا، وهي التي تُعيد لنا الإحساس باليقين في عالم عائم. هي مرساتنا الوجودية التي تحفظنا من الضياع في بحر المشاعر المتغيرة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تأثير الكوبرا.. حين تُصبح الحلول جرحًا في ناصية القلب

الوعي غير المُفعَّل: صراع الإدراك وفخ العادة