الوعي غير المُفعَّل: صراع الإدراك وفخ العادة
عندما تُدرك ماهية الأمور، وتَصِلُ إلى قناعاتٍ من تجاربَ عديدة، عندئذٍ تتبلور في ذهنك طرق وأساليب الأمور، بل وتستنبطها من بين السطور. لكن ما الجدوى إن كان ذلك الوعي لم يُفعِّل من جودة الحياة، بل يسير على نفس طريقه، بنفس عاداته، جيدها وسيئها؟ وهي واعيةٌ بأن ما تفعله ليس فيه هناءٌ وليس فيه جدوى.
هل هذا ما يُسمى "الوعي غير المُفعَّل"؟
نعم، هو كذلك. إنه ذلك الشعور القاسي الذي يرافق صاحب البصيرة، الذي يرى النور بوضوح تام، لكنه يختار البقاء في الظل. هو أن تكون خبيراً في علم الفلك، لكنك لا ترفع رأسك للسماء.
هنا يكمن الصراع الجوهري بين الإدراك النظري والتطبيق العملي. تتراكم القناعات في الذهن كأطروحات فلسفية، لكنها تُخزّن في ملف "المعرفة الساكنة" بدلاً من أن تُصبح "طاقة حركة".
هل العادة تغلب التطور؟
للأسف، في هذه الحالة، العادة تغلب التطور. العادة هي مسار عصبي مُجرَّب ومُعزَّز في الدماغ، يتطلب أقل قدر من الطاقة لتشغيله. أما التطور، فهو يتطلب الوعي المُفعَّل، أي بذل طاقة إضافية لمقاومة المسار القديم وبناء مسار عصبي جديد.
إن الوعي غير المُفعَّل ليس كسلاً دائماً، بل هو غالباً:
- الخوف من المجهول: المسار الجديد، رغم وعودِه بالهناء، يحمل أيضاً مخاطرة التغيير والفشل. فيفضل العقل النتائج السيئة المألوفة والمُتوقعة (استمراء الخطأ) على النتائج الجيدة غير المؤكدة.
- استمراء الخطأ: يتعود أحدنا على النتائج السيئة، بل يعرفها ويظل يسير في طريقها دون اكتراث، ليس لأنه يحبها، بل لأن إيقاف القطار الثقيل (قطار العادات القديمة) يتطلب قوة دفع هائلة (وهي قوة الوعي المُفعَّل)، وهي القوة التي ترفض الذات إخراجها.
كيف يتفعل الوعي؟
الوعي لا يُفعَّل بالنصائح، بل بـ "الصدمة العاطفية" أو "القرار الجذري".
يجب تحويل الوعي النظري إلى ألم فعلي (شعور داخلي قوي بأن البقاء في هذا المسار مؤذٍ وجودياً). عندئذ، يتوقف الإنسان عن اعتبار عاداته السيئة مجرد "خطأ" ويتعامل معها كـ "خطر وجودي".
التكريم الذاتي، الذي تحدثنا عنه سابقاً، يبدأ هنا: عندما تقرر النفس أن قيمة وقتها أغلى من أن تُصرف في طريق معلوم نهايته، ساعتها يخرج الوعي من حيز الإدراك إلى حيز الحركة الجادة التي لا تعرف التأجيل.
تعليقات
إرسال تعليق