لحظه ادراك
لحظة إدراك أنه ليس هناك ما يستحق كل هذا العناء؛ كل هذه الهموم وهذا الشجن، كل هذا التفكير وهذه الحيرة. بماذا؟ ولماذا؟ وعلى أي شيء؟ لِيَصِلَ بأحدنا الأمر إلى طريق لا أفق له ولا يرضيه شيء، وتحت شعار التطور وتكوين الذات وإقناع النفس أنه الصواب، يركض الإنسان وكأنه في سباق مع جريان الدم في الوريد. غير أن الدم له نظام واستراحات وقدر يرضى به، بل يعلم من أين يأتي وإلى أين ينتهي به الطريق. أما الإنسان الذي يظن الدنيا هي كل شيء فلا يرضيه عذب مائها ولا دفء فراشها ولا ثلاجة تئن بحمل رفوفها. ألم يعلم أن فوق كل ذي علم عليم، وأن مهما صعد من السلالم، ما كان له أن يُدرك نهاية القمة؟ لا أقول هذا تشجيعاً على كسل أو خمول، إنما أقوله لِنُعطي كل شيء قدره ويكون الهدف واضحاً أمامنا.
"لا أقول هذا تشجيعاً على كسل أو خمول، إنما أقوله لِنُعطي كل شيء قدره ويكون الهدف واضحاً أمامنا.
ووضوح الهدف الحقيقي هو أن تتحول الحركة من غاية إلى وسيلة. أن ندرك أن هذه الغاية المادية، سواء كانت منصباً أو ثروة أو مشروعاً ناجحاً، ما هي إلا محطات عابرة. فكل نقطة عرق تُبذل، وكل دقيقة تُصرف في إنجاز عمل، يجب أن تكون مستمدة من قوة داخلية ترى القيمة في الجهد نفسه، لا في تقدير الناس له.
الركض المذموم ليس ذاك الذي يحقق الإنجاز، بل ذاك الذي يحرق الروح في سبيله، ويجعل الإنسان أسير المقارنة والهاجس والخوف من الفوات. الفلاح الحقيقي هو الذي يزرع ويجتهد ويأخذ بالأسباب، ولكنه يترك نتائج السعي لمالك الأمر كله. حينها، يتحرر العقل من عبء التحكم في الغيب، ويصبح العطاء إبداعاً خالصاً، لا صراعاً مريراً. وبذلك، يعيش الإنسان في توازن بين سماء الأمل وأرض الواقع، فيجد أن السعادة تكمن في طريق السعي المنضبط، وليس في وهم الوصول إلى قمة لا وجود لها إلا في خياله الجائع."
تعليقات
إرسال تعليق