قرطبه : المدينه التى كتبت نفسها بالألوان
في قرطبة، لم يكن التاريخ مجرد سرد لأحداث مرت. كان يُكتب بالألوان، ويُخط بالذهب، ويُحفظ بين صفحات من الجلد المدبوغ بعناية. كانت المدينة كلها مخطوطة ضخمة، وكل حجر فيها يحكي قصة. وفي قلب هذا العالم المشرق، كانت المخطوطات الملونة هي ذاكرة المدينة، تحمل قصص علمائها وأشعار شعرائها، وتجسد روح الحضارة التي أضاءت العالم. فمن يمشي بشوارعها يشم عبق التاريخ الذي أضاء بمقل العين كمنارة للعالم أجمع، ولم يكن شعاعه إلا كشعاع العين الدافئ الذي ينير الدرب بهدوء فلا نكاد نراه ولا يكاد يغيب. وأي حديث أبلغ عن حضارة اجتمعت في مدينة بمخطوطات ملونة كقوس قزح، غير أنه لا ينتظر المطر وصفاء السماء، بل هو واضح للأعيان والمؤرخين.
لم تكن هذه المخطوطات مجرد صفحات، بل كانت رحلة بصرية تُروى فيها الحكايات. كانت الألوان تُستخرج من الطبيعة نفسها، فالأحمر القرمزي من حشرة، والأزرق الملكي من حجر اللازورد. كل لون يحمل قصة، وكل خط يحمل فلسفة. أما الخط العربي، فلم يكن مجرد وسيلة لكتابة الكلمات، بل تحول إلى فن قائم بذاته، حيث تتراقص الحروف وتتشابك لتشكل لوحات فنية معقدة، تروي تفاصيل الحياة اليومية والعلمية في ذلك العصر. فكانت علمًا قائمًا بحد ذاته ولكل رسام ريشته الخاصة التي يخط ويلون بها ما يلوح بذهنه المتقد، فكانت المنافسة على أشدها والعمل في أوجه لتأريخ حضارة عريقة ومتفردة.
لم يكن جمال هذه المخطوطات محصورًا بين جدران المكتبات، بل كان يمتد ليتنفس في كل زاوية من زوايا قرطبة. فالأقواس الهندسية في المساجد، والزخارف المعقدة على أبواب القصور، والألوان الزاهية في حدائق الأندلس، كلها كانت صدى حيًا لما كان على صفحات المخطوطات. كانت المدينة والمخطوطات كوجهين لعملة واحدة، كل منهما يحكي قصة الآخر بأسلوب مختلف. فكان الرائج أن يبدع أحدهم كل يوم بخط هندسي متناسق أو بنقش جديد يصيب الزائر بالدهشة أنحن بعالم آخر فلا يثبت شيء على حاله، أم نحن داخل لوحة رسام يمحو ويعيد؟ وماذا عن التاريخ؟ هل تتسع صفحاته لكل هذا الإبداع أم عليه في كل مرة أن يبني عهداً جديداً؟
وفي النهاية، فإن قرطبة لم تكن مجرد عاصمة للخلافة، بل كانت عاصمة للجمال والفكر. إنها مدينة حافظت على ذاكرتها الفنية من خلال مخطوطات ملونة تحمل في طياتها روحًا لا تموت. فكل خط وكل لون فيها، يحكي قصة حضارة أضاءت العالم، وتركته خلفها ليبحث عن جمال كهذا. وتتوق النفس للسفر عبر الزمن لترى جمال هذه المخطوطات جهار نهار، فقد كان عملًا مضنيًا وجهدًا، ولكن المبدع لا يسعه إلا أن يبدع ولو أُزهق من مقل عينيه ما يُحفظ في تاريخ نكتب عنه ونستزيد بعلمه ونتعلم من تجربته.
لم تكن هذه المخطوطات مجرد صفحات، بل كانت رحلة بصرية تُروى فيها الحكايات. كانت الألوان تُستخرج من الطبيعة نفسها، فالأحمر القرمزي من حشرة، والأزرق الملكي من حجر اللازورد. كل لون يحمل قصة، وكل خط يحمل فلسفة. أما الخط العربي، فلم يكن مجرد وسيلة لكتابة الكلمات، بل تحول إلى فن قائم بذاته، حيث تتراقص الحروف وتتشابك لتشكل لوحات فنية معقدة، تروي تفاصيل الحياة اليومية والعلمية في ذلك العصر. فكانت علمًا قائمًا بحد ذاته ولكل رسام ريشته الخاصة التي يخط ويلون بها ما يلوح بذهنه المتقد، فكانت المنافسة على أشدها والعمل في أوجه لتأريخ حضارة عريقة ومتفردة.
لم يكن جمال هذه المخطوطات محصورًا بين جدران المكتبات، بل كان يمتد ليتنفس في كل زاوية من زوايا قرطبة. فالأقواس الهندسية في المساجد، والزخارف المعقدة على أبواب القصور، والألوان الزاهية في حدائق الأندلس، كلها كانت صدى حيًا لما كان على صفحات المخطوطات. كانت المدينة والمخطوطات كوجهين لعملة واحدة، كل منهما يحكي قصة الآخر بأسلوب مختلف. فكان الرائج أن يبدع أحدهم كل يوم بخط هندسي متناسق أو بنقش جديد يصيب الزائر بالدهشة أنحن بعالم آخر فلا يثبت شيء على حاله، أم نحن داخل لوحة رسام يمحو ويعيد؟ وماذا عن التاريخ؟ هل تتسع صفحاته لكل هذا الإبداع أم عليه في كل مرة أن يبني عهداً جديداً؟
وفي النهاية، فإن قرطبة لم تكن مجرد عاصمة للخلافة، بل كانت عاصمة للجمال والفكر. إنها مدينة حافظت على ذاكرتها الفنية من خلال مخطوطات ملونة تحمل في طياتها روحًا لا تموت. فكل خط وكل لون فيها، يحكي قصة حضارة أضاءت العالم، وتركته خلفها ليبحث عن جمال كهذا. وتتوق النفس للسفر عبر الزمن لترى جمال هذه المخطوطات جهار نهار، فقد كان عملًا مضنيًا وجهدًا، ولكن المبدع لا يسعه إلا أن يبدع ولو أُزهق من مقل عينيه ما يُحفظ في تاريخ نكتب عنه ونستزيد بعلمه ونتعلم من تجربته.
تعليقات
إرسال تعليق