القريه الصامته
لقد أصبح العالم قرية صغيرة حقاً، لكنها قرية صامتة. نعيش في زمن تتدفق فيه البيانات بسرعة الضوء، وتُربط فيه القارات بنقرة زر، ومع ذلك، نشعر بعزلة أعمق وتشتت لا ينتهي. فبقدر ما وفرت لنا التكنولوجيا من جسور للتواصل، بقدر ما كشفت عن مسافات هائلة بين الأرواح.
إنه اليقين بأن كل جهد صادق ومُركَّز لا يضيع، وأن المسافة الأصعب هي تلك التي تقطع الروح فيها شوطاً في صياغة الأهداف. حينها ندرك أن التوقف عن هذا الركض الرقمي هو مجرد إزاحة لجميع الشوائب، والإنهاء هو بداية الفصل الأكثر صلابة والتزاماً.
في هذه المقالة، سنكتشف كيف أننا رغم وفرة أدوات التواصل، نُعاني من أزمة تواصل حقيقية؛ وكيف أن صياغة اليقين الداخلي هي المفتاح لاستعادة الوجهة في عالم يضج بالتشتت. لنمضِ قدماً الآن، مُسلّمين أمرنا لليقين، ومتخذين من قرار الانطلاق الحقيقي (لا الرقمي) دليلاً على الوجهة الصحيحة.
"فَكَمْ زَوْجَةٌ تَنَامُ بِقُرْبِ زَوْجِهَا وَهُوَ يُحَادِثُ غَيْرَهَا مُبْتَسِمًا دُونَما شُعُورٍ بِالذَّنْبِ، وَكَمْ مِنْ طِفْلٍ يَلْعَبُ بِأَلْعَابٍ لَا يَعْلَمُ أَهْلُهُ عَنْ ثَغَرَاتِهَا شَيْئًا. هَذَا هُوَ الْأَسْوَأُ. أَمَّا الْعَادِيُّ فَهُوَ الْإِدْمَانُ بِالتَّصَفُّحِ وَالْقِرَاءَةِ حَتَّى وَلَا يَكَادُ لِأَحَدِهِمْ وَقْتٌ لِحَدِيثِ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَنَامُ وَيَسْتَيْقِظُ عَلَى هَاتِفِهِ الْمَحْمُولِ.
الخطر الحقيقي لا يكمن في الشاشات نفسها، بل في التنازل المستمر عن مساحتنا الداخلية. نحن نتبادل القصص والصور والآراء بسرعة هائلة، لكننا ننسى أن نُنشئ 'سجل إيقاف' يومي يُمكّننا من فحص وعينا والتحقق من 'خوادمنا الروحية'. أصبحنا نعيش على نمط الإشعارات السريعة (Notifications)، مما يجعلنا نُهمل الاستجابة للحاجة العميقة للتأمل، تماماً كما يهمل المدمن نداء جسده للعلاج. هذا التشتت المُقدس يسرق منا أغلى ما نملك: القدرة على الشعور بوجودنا الحقيقي والواضح، بعيداً عن ضجيج الإعجابات الرقمية.
وَلَا أَعْلَمُ إِلَى مَتَى سَيَظَلُّ هَذَا الْهَاتِفُ مَحْمُولًا لِتَنْتَهِيَ الْأُمُورُ لِشَرْخٍ عَاطِفِيٍّ وَاجْتِمَاعِيٍّ وَلَا وِصَالَ، بَعْدَ أَنْ كَانَ الْهَدَفُ مِنْهُ كُلُّ الْهَدَفِ هُوَ التَّوَاصُلُ وَالِاتِّصَالُ. ذِكْرُ إِيجَابِيَّاتِ وَسَلْبِيَّاتِ هَذَا الْمَوْضُوعِ لَا يَنْتَهِي؛ فَهُوَ أَشْبَهُ بِبَحْرٍ قَاعُهُ لَا يَنْتَهِي وَمَجْهُولٌ، لَا يُعْلَمُ ضَرَرُهُ الْحَقِيقِيُّ إِلَّا بَعْدَ فَوْاتِ الْأَوَانِ. لِذَا، فَإِنَّ الِانْتِصَارَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ أَنْ نَسْتَثْمِرَ فِي الْبَيْتِ وَالْيَقِينِ الدَّاخِلِيِّ، لَا فِي شَبَكَةِ الْوَهْمِ الْخَارِجِيَّةِ."
تعليقات
إرسال تعليق