متلازمة التمركز حول الذات النرجسية: برودة العزل

 

​حالة مزمنة، ربما تكون أنتَ أحد المصابين بها، وربما أخطر ما فيها أنك أو المصاب لا يشعر بها: وهي متلازمة التمركز حول الذات النرجسية.
​هؤلاء الأشخاص يعيشون ضمن هالة وهمية شفافة قاموا بإحاطة أنفسهم بها، ويتعاملون مع الناس من خلال هذه الهالة بثلاث ركائز أساسية: "يكبِّرون ثلاث ويصغِّرون ثلاث". وكأنهم عبر هذه الهالة ينقلون أنفسهم لمرتبة أعلى، لتلك القمة الزائفة التي يعتقدون أن هذا العالم لا يرقى لوجودهم فيها.
• ​يكبِّرون أخطاء غيرهم ولو كانت زلّة لسان عابرة، يكثرون اللوم حتى يُغرقوا المخطئ في مستنقع الشعور بالذنب الذي لا ينتهي. فإن كان هش الروح، فسيصبح أسيراً لـ دوامة جلد الذات القاتلة. بينما هم، يُصغِّرون أخطاءهم بتبريرات لا تمس الواقع بصلة، هذا إن كلفوا أنفسهم عناء الشعور بالخطأ أصلاً.
• ​يكبِّرون عطاياهم يمنحونك المعروف وكأنه نفحة الوجود الأخيرة، ويفرضون عليك منّة الشعور بالدين الدائم. بينما، يُصغِّرون عطايا الآخرين ببرود، يعتبرونها واجباً بل وقيمة ضئيلة جداً لا تليق بعظمتهم، فيُحطِّمون بذلك أي مبادرة حقيقية للوصل.
• ​يكبِّرون أوجاعهم آلامهم هي الكوارث العظمى، وصراخهم هو الوحيد الذي يجب أن يُسمع. وكأنهم هم فقط الكائنات التي تملك حساسية مفرطة، ويحتكرون معنى النبوغ والإحساس. بينما يُصغِّرون أوجاع الآخرين بلا قيمة، فدموعك هي مجرد سذاجة لا تستحق الوقوف عندها، فالألم يُقاس فقط بميزانهم الأناني.
​فما أَبأسَ مَن يُحيط به هذا النوع من الأشخاص! يُعاني في صمت لأنه لا يجد مرضاً ظاهراً يشير إليه، ولا يستطيع أن يصف هذا النزيف العاطفي الداخلي.
وهم أيضاً نوعان: نوع يعترف بأنه يملك هذه الصفات وهو النوع الأريح الذي يمكن إلى حد ما التعامل معه، والنوع الثاني المزمن الذي لا يُقر بأي خلل به ولا بهالته التي لطالما كبَّرت وصغَّرت الأمور كما يتناسب معها.
​إن تحدي التعامل مع هذا النمط هو أنك تحاول أن تصل إلى إنسان حقيقي مدفون تحت طبقات من "أنا" باردة وقاسية، بينما هو يصر على التعامل معك كـ أداة لخدمة وهم عظمته. هذا البقاء ضمن الهالة الوهمية هو في الحقيقة حكمٌ بالإعدام العاطفي على كل من يقترب منهم.
والمأساة الكبرى تكمن في أن من يعيش في فلكهم يغفل عن الحقيقة التي يُكابر النرجسي على نفسه بها أنه بذلك هدر قيمته المخطأه دائما فقط ليحصل ع.لى رضاهم ومباركتهم ولن يحصل 
​النجاة الوحيدة هي إدراك أنهم يدمنون هدر قيمة الآخرين، وأن هالتهم هي جدار عازل وبارد لا يسمح بدخول الدفء الإنساني. إنها رحلة مؤلمة تنتهي حين تقرر أنت أن تستعيد قيمة وجعك المصغر وترفض العيش تحت ظلال صغرهم المكبر المصطنع .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نسبيةُ الوجود: شروقٌ يَبني وشروقٌ يَهدم

تأثير الكوبرا.. حين تُصبح الحلول جرحًا في ناصية القلب

الوعي غير المُفعَّل: صراع الإدراك وفخ العادة