الثبات الانفعالي: رعاية الغيمة في الصدر

 


​ما كان يسير في دمي وعروقي، لا بد وأن يخرج يوماً للناس. لكن كيف ومتى يخرج؟ هذه هي الحكاية.

​حكاية الغيمة الماطرة، الممتلئة بمياه عذبة، تسير في سمائها حاملة ماءها بكل رحابة صدر، غير مثقلة به، بل تحتضنه بكل ما أوتيت من حنان ورعاية، حتى لا تنهمر قطرة منه دون إرادة منها أو إدراك لماذا ومتى تنهمر.

​ولعمري، كم هما متشابهان في كثير من الأشياء؛ عيون الإنسان والغيمة. وماهيتهما هي الماء، إلا أن قطرات الغيمة تسقي أراضٍ وتلالاً، وقطرات العيون تنفث عن القلب شيئاً من الهموم.

​كم نحاول منعها من الهطول أحياناً، ولكنها تغلبنا، بل وتحرق المقلتين، فلا بد من الانصياع عندما تختار طريقها القسري، والإذن لها لـ إكمال الطريق.

​هل علينا أن نثبت ونحن سائرون؟ ألا نكون كغيمة آمنة في سمائها، وفجأة يهطل مطرها وتغرق الدنيا، فيهرع الناس لمظلاتهم وإلى أي مأوى اتقاء منها؟

​كيف لنا أن نقيس على شخص أنه ثابت انفعالياً؟ أو أنه ذلك المتسرع الذي سمح لانفعالاته أن تسيطر عليه فأصبح تابعاً لها لا العكس؟

​المعيار ليس في المنع التام للهطول، فذاك مستحيل بل هو غير صحي وغير سليم، فكيف لعيون ترف وقلب ينبض أن يتحول لحجر لا حراك فيه. بل الثبات هو أن تكون صاحب قرار الغيمة التي تحملها. أن تكون أنتَ من يحدد أين ومتى يكون هذا الانهمار. الغيمة الثابتة انفعالياً لا تمطر عشوائياً، بل هي تختار الأرض التي تستحق السُقيا، وتختار التوقيت الذي لا يسبب طوفاناً وذعراً لمن حولها.

الشخص الثابت انفعالياً يرتفع فوق العاصفة، لأنه اختار أن يكون قائداً لرحلة غيمته لا مجرد راكب فيها. إنه يمتلك حكمة التوقيت.

​الشخص الثابت انفعالياً هو الذي يملك الوعي الكافي ليرى غيمته وهي تتشكل، فيدرك ضغطها الداخلي ويستخدم حكمته لتوجيهها. إنه فرق بين أن تخرج المشاعر لتكون فعل إرادة، وبين أن تخرج لتكون رد فعل قهري. وفي النهاية، الثبات الانفعالي هو أن تمنح نفسك حرية الشعور، وحرية الاختيار في آن واحد.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نسبيةُ الوجود: شروقٌ يَبني وشروقٌ يَهدم

تأثير الكوبرا.. حين تُصبح الحلول جرحًا في ناصية القلب

الوعي غير المُفعَّل: صراع الإدراك وفخ العادة