صدمة الوضوح (موقف يغير الكثير)

 

 

​موقف... يُغيِّر الكثير؛ قناعات، اعتقادات، وربما آمال.

​آمال تكون كمروج شاسعة يرمح بها أشخاص في خيالنا، فيجوبون المكان شرقاً وغرباً، حتى يتحول هذا الأمل إلى اعتقاد راسخ. ومَن يطعن به يكون كافراً بنا وبهم.

وهناك أشخاص يعيشون على هذا الأمل ويقاتلون في سبيله، ولا يعلمون أنه وهم ولا أصل له إلا بأحلامهم التي أرادت أن تتخذ هذا المخدر الوجودي لأسباب كثيرة؛ بعضها يُورث من والدين فقراء بالوعي، وبعضها يُكتسب من مجتمع تحكمه الأهواء. فكيف لعاقل أن يجد نفسه بين هذا وذاك؟

​ولا يلبث أن يأتي موقف كـ "قطرة العين" التي يضعها طبيب العيون لفحص قعر العين واتساعها. وهنا، يرى المرء للبعد أكثر بكثير مما كان يرى من قبل. أما عن قُرب، فما ظنَّه قريباً يعود لحقيقته: غَبَاشَةٌ تُتعِبُ عينه، وليس تُقرُّها، كما كان يعتقد.

​فَشُحنةُ اليقين التي كانت تريح القلب تهتز، ويكتشف المرء أنَّ ما كان يظنه أرضاً صلبة لركض آماله، كان مجرد غباشة شفافة على عدسة الروح.

​في تلك اللحظة، يتوقف الركض في المروج؛ ليس لأنّ الساق قد كُسرت، بل لأن المكان كله انهار. يصبح الألم حقيقة مؤكدة لا مفر منها: اليقين الجديد يقتل الأمل القديم. هذا الموقف لا يسلب منك شيئاً خارجياً؛ بل يسلب منك الرؤية المريحة، ويجبرك على التعامل مع العالم بوضوح قاسٍ لم تكن مستعداً له.

​لقد كانت "قطرة العين" اختباراً للحقيقة، ولم يكن ما رأيته جميلاً. لقد كشفت أن القرب الذي حسبته سكناً كان مجرد سراب يلامس الحدقة، وأن كل ما اعتقدته مبدأً كان وهماً بُني على أساس هش من الأمان الكاذب. والأصعب أنَّ  نتيجه هذه القطرة لا يمكن التراجع عنها؛ فـ بعد الوضوح، لا مجال للعودة إلا لمن أراد ان يعيد الزرع بدون حصاد وهو يعلم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نسبيةُ الوجود: شروقٌ يَبني وشروقٌ يَهدم

تأثير الكوبرا.. حين تُصبح الحلول جرحًا في ناصية القلب

الوعي غير المُفعَّل: صراع الإدراك وفخ العادة