ماذا علمتني الكتب
يُقال إن الحياة رحلة واحدة، ولكن القارئ يمتلك مئات الأرواح، يرحل بها إلى عوالم لا تُعد ولا تُحصى. فكل كتاب هو دعوة لمغامرة جديدة، وفرصة لاختبار حياة أخرى، وتجاوز حدود الزمان والمكان. إنها ليست مجرد قراءة لقصص الآخرين، بل هي وسيلة لنعيش تجارب لم نختبرها، ونقابل شخصيات لم نلتقِ بها، ونتعلم دروسًا من حكمة لم نصل إليها بعد. فكل كلمة أو صفحة أو فكرة هي إضاءة من رؤيا الكاتب التي رآها أو تعلمها أو تبناها، وكله طرق مستقيمة وملتوية تساعد القارئ أن يختار طريقاً ضل عنه.
تتجاوز الكتب مجرد كونها مصدرًا للمعلومات، لتصبح معلمًا صامتًا يرافقنا أينما ذهبنا. فمن خلال حكايات أبطالها، نتعلم عن الشجاعة من شخصية تواجه مصيرها، وعن الصبر من شخصية تعيش في عالم قاسٍ، وعن الحب من شخصية تجازف بكل شيء من أجله. إنها حكمة مجمعة من آلاف السنين، تُقدَّم لنا على طبق من ورق، لتوفر علينا عناء التجارب القاسية. والمحب ليس من يقرأ كمَّن لم يقرأ، فمن يقرأ يعيش أضعاف عمره بين سطور الكاتب لينتج شخصاً آخر، وكأنه عصير تجارب الكتاب بخيرهم وشرهم
ربما يكون أجمل ما في الكتاب، أنه رسالة في زجاجة أُلقيت في بحر الزمن، لتصل إلينا بعد سنوات طويلة. هي حوار صامت بين القارئ والكاتب، حيث يشاركنا أحدهم أفكاره وتجاربه وأعمق مخاوفه من دون أن يكون موجودًا. إنها طريقة لنتعلم من أخطاء الآخرين، ونستلهم من نجاحاتهم، ونشعر بأننا جزء من حوار إنساني لا ينتهي. أو من معنى آلام أحدهم التي قضت، فنتعلم أنه لا جدوى من إرهاق النفس وإزهاق الروح في أمر قد مضى، فحب أو كره، مرض أو عجز، كله زائل في فلك الزمن.
وفي النهاية، لا يمكن اختزال القراءة في مجرد هواية، بل هي وسيلة لنعيش حياة إضافية. إنها فرصة لنكون أبطالاً في روايات لم نكتبها، وشهوداً على أحداث لم تحدث لنا. إنها الطريقة الأبسط والأكثر عمقًا لتوسيع مداركنا، وإثراء أرواحنا، والوصول إلى حكمة تتجاوز حدود عمرنا الحقيقي. فالكاتب ليس مجرد ناقل للكلمات، بل هو شاهد على الحياة التي لم نعيشها بعد، والبطل الحقيقي في كل هذا هو الكلمة التي تبقى خالدة لترشدنا وتضيء لنا الطريق.
تعليقات
إرسال تعليق